Activités en images

Activités en images
Environnement

dimanche 10 janvier 2010

العنف ضد الأطفال
ذ/محمد أيطاح
الطفل حسب التصنيفات الدولية هو كل إنسان لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره بعد ، وقد أقرت حقوق الأطفال في شرعة دولية أطلق عليها اسم " اتفاقية حقوق الطفل " وقعت عليها جميع دول العالم باستثناء دولتين من بينهما الولايات المتحدة الأمريكية " .
لا بد من الإقرار أن الخوض في هذا الموضوع الشائك يبقى قاصرا تنقصه الدقة العلمية , وذلك لعدم توفر أي إحصائيات أو مراكز أبحاث تعنى بهذا الموضوع في بلادنا , أي أننا لا نملك لمعالجة الموضوع أي مصادر ميدانية , باستثناء بعض التحقيقات الصحفية المتفرقة التي يقوم بها بعض الصحفيين بجهودهم الشخصية , والتي تعطينا ربما بعض الإشارات والدلالات .
كما في كل المجتمعات التي يسود فيها بصرامة النظام الأبوي , يعتب مجتمعنا الأولاد والزوجة من حيث المبدأ ملك للأب , يتصرف بأمورهم وشؤونهم كما يشاء , بل حتى بأرواحهم في بعض الحالات النادرة والتي سآتي على ذكرها لاحقا , وإن كان هذا الشكل من العلاقة قد تغير في العقود الأخيرة بحكم التطور والاحتكاك بالحضارات والثقافات الأخرى , إلا أنه لا يزال موجودا , بشكل أو بآخر , ضمن العلاقات الأسرية أو حتى علاقات الكبار بالصغار , حيث يشكل المعلم أو رب العمل تجسيدا لسلطة الأب بالنسبة للطفل الذي تحت أمرته .
كذلك فإن الطفل في ثقافتنا وضميرنا الجمعي , هو استثمار للمستقبل , فنحن نربي الأطفال , كما يقال كي يردوا لنا الجميل في المستقبل ويرعونا في شيخوختنا , وهذه نقطة هامة تبرر الكثير من تصرفات الآباء تجاه الأبناء كالتحكم بمستقبلهم ومصائرهم , وتفسر تعلق الأهل الشديد بأولادهم مما قد يولد بالنتيجة وضعا ايجابيا يتجلى بالعلاقات الأسرية المترابطة , والتزام العائلة كلها وليس الأسرة الصغيرة فقط تجاه الأقارب , وهذا الوضع يحمي الأطفال في غياب المؤسسات التي يمكن أن تكون مسئولة عن الطفل في غياب والديه .
إن هذا الشكل من العلاقات , أي الطفل في ظل السلطة الأبوية البطريركية , يولد أشكالا مختلفة من العنف الجسدي والنفسي , الذي يمارس على الطفل , والتي يمكن أن نصنفها تصنيفا أوليا كما يلي :
ـ العنف المنزلي : وهو العنف الذي يمارس ضمن الأسرة الواحدة من قبل الأب أو من يمثل سلطته في غيابه( الأم ، الأخ الأكبر ) فلا يوجد أي قانون أو عرف اجتماعي يمنع الأب من ممارسة الضرب أو أي شكل من أشكال العنف الجسدي في إطار ما يدعيه من تربية للطفل أو تقويم لأخلاقه , وأنا أعرف عددا لا بأس به من الآباء الذين يجلدون أولادهم بأحزمتهم الجلدية مثلا , أو يضربونهم بشراسة تترك آثارا لا تخفى على أجسادهم , وقد سبق لي كطبيبة أن قطبت جروحا لأطفال ادعى آباؤهم أو أمهاتهم ـ اللاتي تتسترن عادة على عنف الأب ـ أنها حدثت بأسباب مختلفة , ليس خوفا من القانون الذي لن يحاسبهم , بل خوفا من سماع التقريع واللوم من فئة من المجتمع أعلنت استنكارها منذ سنوات لمثل ذلك العنف وباتت تصف الآباء العنيفين بالمتخلفين , وهي صفة غدت في السنوات الأخيرة , وبخاصة في المدن صفة غير مرغوبة .
ربما تندر أشكال العنف المبالغ به من الأب تجاه أولاده حاليا , إلا أن ضرب الأطفال المبرح لازال شائعا وبكثرة , وحتى ضمن الأسر المتعلمة المثقفة , فذلك جزء من إرث اجتماعي مباح .
هنالك عنف يمارس حتى من الأمهات في مجتمعنا , والشهيرات بحبهن الشديد وتعلقهن بأولادهن , على الأطفال . فمن الشائع ضرب الأمهات لأولادهن ضربا مبرحا , ربما يترك أثره على أجسادهم , وكما ذكرت يعتبر ذلك في سياق ضرورات العملية التربوية , وربما يعبر عنها المثل الشعبي الدارج " العصا خرجت من الجنة " , وأذكر أنني عندما كان أولادي صغارا وكنت في يصدد تعليمهم الاستغناء عن الحفاظ , أن نصحتني بعض الأمهات الحنونات الخبيرات بطريقة سريعة وفعالة للنجاح في هذه العملية التي تستغرق جهدا وزمنا كبيرين , باتباع أسلوب سريع ناجع يقمن به بكل بساطة , بأن يحرقن العضو التناسلي للطفل بعود الكبريت أو يضعن عليه ملقط غسيل عندما يغلط الطفل وينسى فيبلل ثيابه , سواء كان الطفل ذكرا أو أنثى , ويحصلن بذلك على نتائج سريعة , وقد أثار يومها استنكاري واشمئزازي وثورتي العارمة دهشتهن .
يضاف إلى ذلك العنف النفسي الذي يمارس على الأطفال كالشتم أو التقريع أو التعيير , ناهيك عن الحبس في مكان مغلق , كالحمام مثلا ساعات طويلة , أو غير ذلك من أساليب التعذيب التي تضاهي أحيانا ما يبتدعه عقل مجرم , فقد حكت لي إحدى مريضاتي , وكانت تقهقه ضاحكة بأن زوجها حبس ابنهما الصغير ـ يبلغ من العمر 7 سنوات ـ في قبو البناية , ودلى من الشباك لعبة مربوطة بخيط فوق رأسه , حتى بات الطفل يصرخ فزعا , ولم أستطع استنباط الحكمة من تصرف كهذا , أو حتى اللجوء إلى الشرطة ليقيني أن ذلك لن يفضي إلى شيء , واكتفيت بلوم المرأة وتقريعها , وهي تنظر إلي شزرا , وتعد نفسها ضمنا بعدم الرجوع إلى عيادتي .
يضاف إلى ذلك العنف الذي يمارس أكثر على البنات ,ففي المجتمع الأبوي تضطهد فئتان اجتماعيتان هما النساء والأطفال وبذلك يقع على الطفلة عنف مركب كونها أنثى وكونها طفلة ، وبخاصة إذا لم يلتزمن بالتعليمات التي تتعلق باللباس المحتشم , والذي تختلف مقاييسه من مدينة لأخرى , وحي وآخر , بل ضمن العائلة نفسها , أما إذا ضبطت البنت وهي تحادث صبيا أو شابا , فالعقاب مباح بكل أشكاله , وقد يصل حدود القتل , والأب أو الأخ القاتل لا يسجن أكثر من أشهر قليلة أو أيام , لأن جريمته كانت دفاعا عن الشرف , حتى ولو كان الموضوع مجرد شبهة , وهذا ما قصدته في البداية , عندما قلت بأن حياة الأولاد نفسها ملك للأب يستطيع أحيانا التصرف بها كما يشاء , إلا أن هذه الحالات قد أصبحت لحسن الحظ نادرة في بلادنا بعد أ ن ساهم التطور والتقدم في تغيير العقليات المتحجرة .
وهنالك عنف من نوع آخر يمارسه الأهل على أولادهم بتقرير مستقبلهم وإجبارهم على العمل أو الدراسة حسب ما يخططه الأهل لهم دون مراعاة لرغبات الطفل أو إمكانياته أو مواهبه .
ـ العنف في المدرسة : لا يعتبر الضرب الذي يمارسه المعلمون على الطلاب عملا مستهجنا , حتى من قبل الأهل أحيانا , وذلك عائد إلى السلوك المجتمعي الذي كان سائدا فيما مضى في الكتاتيب , قبل إنشاء المدارس الرسمية , حيث كان الأهل يقتادون الطفل إلى المعلم ويقولون له " اللحم لك والعظم لنا " دلالة على أن بإمكان المعلم ضرب الطفل إلى أن يهري لحمه , المهم أن يبقي على عظمه , أي يبقيه على قيد الحياة , وذلك ما كان امتدادا لأساليب التربية المتبعة في المنزل , والتي كان الضرب دعامتها الرئيسية , وقد كان شائعا في تلك الكتاتيب الضرب بالعصا , أو " الفلقة" , وهي نفس الطريقة التي كانت تتبعها الإدارة العثمانية لتعذيب المجرمين في السجون ! ! وقد سمعت أن إحدى المدارس المعروفة في دمشق والمشهورة بصرامتها وتزمتها , لا تزال تتبع هذا الأسلوب التربوي الفذ اليوم مع طلابها المشاغبين .
وأنا أقرأ في الجرائد دائما عن حوادث تحدث في مدارسنا دائما , يتجاوز المعلمون فيها اللحم ليصلوا إلى كسر عظم الطلاب , وقد نشرت الجرائد في العام الماضي حادثة أدى فيها ضرب المعلمة لأحد الطلاب إلى موته , إثر إصابته بنزيف داخلي على ما يبدو , وقد حاولت إدارة المدرسة طمس الجريمة , ولم أسمع بعدها أن المعلمة عوقبت . وحتى لو كانت تلك الحوادث نادرة , إلا أن من الشائع اليوم وحتى في أفضل المدارس الصفع, والضرب بالمسطرة , بل والركل أحيانا , دون وجود أي جهة تحاسب المعلم المعتدي , الذي يعتبر الضرب جزءا من وظيفته التربوية , وليس من النادر أن تترك مثل هذه الاعتداءات آثارا جسدية على الطالب , وإن بدأ الأهل في السنوات الأخيرة فقط يحتجون على مثل تلك التصرفات , وفي حالات نادرة يرفعون دعوى قضائية ضد المعلم , وقد ولد هذا العنف في بعض المدارس الثانوية عنفا مضادا من قبل الطلاب , إذ أننا نسمع أحيانا بطالب هجم على أستاذه وأوسعه لكما وضربا , وليس من الخافي التأثير السلبي للعنف والعنف المضاد على العملية التربوية .
كذلك من المألوف أن يوجه الأساتذة للطلاب أقذع الشتائم ويصفونهم بأبشع الصفات في حالات غضبهم , ذلك الغضب المزمن الذي غدا قاعدة لسلوك المعلمين تجاه طلابهم في السنوات الخيرة , بعد أن ضاق المعلم بصف يحوي أكثر من أربعين طالبا , يدرسهم مقابل راتب لا يكفيه أياما قليلة من الشهر هو وأسرته .
أضف إلى ذلك التمييز بين الطلاب , حيث يقوم المعلمون بمحاباة الطالب الذي ينتمي للأسر ذات السطوة , فيعاملونه معاملة خاصة , ولا يجرؤون على مسه , في حين ينهالون بالضرب على الطالب العادي لأقل هفوة .
ـ عمالة الأطفال: رغم نظام التعليم الإلزامي للمرحلة الابتدائية , والذي طبق في بلادنا منذ سنوات , إلا أن هنالك قسما لا بأس به من الأطفال يتسربون من المدارس نحو سوق العمل , وبخاصة من الأسر الفقيرة , وحتى لو أكمل الطفل تعليمه الابتدائي , فإنه يعمل في الصيف , وينهي دراسته الابتدائية بعمر ال12 سنة , أي وهو لازال طفلا , لينخرط في العمل . ويفضل الحرفيون , وأصحاب المتاجر تشغيل الأطفال كما هو معلوم لرخص يدهم العاملة , وسهولة السيطرة عليهم .
إن سلوك رب العمل يشابه تماما سلوك المعلم بالنسبة للطفل , فأهل الطفل يطلقون يده في ممارسة العنف تجاه طفلهم , ويرون ذلك في مصلحة الطفل , كما كان يحدث في الماضي , عندما كان الأهل يعاملون صاحب الحرفة الذي يشغل ابنهم كالمعلم تماما بل ويطلقون عليه نفس الاسم , وهذا ما استمر إلى يومنا هذا , حيث يحق لصاحب الصنعة أن يشتم الطفل الذي يعمل عنده ويضربه بقسوة بالغة إذا انزعج منه , دون اعتراض من الأهل الذين يرون ذلك في مصلحة ابنهم , أو ربما يخافون من أن يفقد عمله , حتى لو بلغ العنف الواقع عليه مبلغا لا يسكت عليه .
هذا عدا عن أن رب العمل يشغل الطفل ساعات طويلة , ويرهقه بأعمال فوق طاقة تحمل جسده الطري , وقد كدت اشتبك في مشاجرة مع البقال الملاصق لبيتي , عندما أرسل لي صندوق مياه معدنية , حملها لي طفل في حوالي السابعة أو الثامنة من العمر أربعة طوابق .
ـ العنف في الشارع : ضمن هذه المنظومة الأخلاقية والاجتماعية , من الطبيعي أن ينعكس العنف على علاقات الناس مع بعضها , فكل كبير يحق له حكما صفع أو ضرب أو ركل أي طفل لم يعجبه تصرفه في الشارع , إذا لم يكن هناك من يحمي الطفل , كذلك ينعكس العنف الذي يمارسه الكبار ضد الأطفال على نفسية الأطفال الذين يصبحون عدائيين تجاه بعضهم البعض , وقد يصل حدود أذاهم لبعضهم حد الجريمة .
إن تلك بشكل عام الخطوط الرئيسية للعنف الواقع على الأطفال في بلادنا يضاف إلى ذلك العنف الجنسي والعنف الذي يقع على الأطفال ذوي الأوضاع الخاصة. *
العنف الجنسي ضد الأطفال :
قليلا ما نسمع بحوادث العنف الجنسي ضد الأطفال, ولا أدري إن كان ذلك يعود إلى قلتها, أو لأن الأهل يحاولون التستر عليها خوف الفضيحة, وهو الأرجح .
ـ غشيان المحارم : لا شك أن هنالك حوادث اغتصاب للأولاد والبنات من قبل المحارم , وإن كان ذلك يبقى عادة طي الكتمان , إلا أن بعض هذه الحوادث لابد أن يرشح إلى الأوساط الاجتماعية , أو الصحافة , وقد اطلعت شخصيا على بعض هذه الحوادث بحكم عملي كطبيبة , وغالبا ما تسعى العائلة المنكوبة في هذه الحالة إلى لملمة المسألة , وأعرف حادثة حملت فيها صبية صغيرة من أبيها وأنجبت طفلة سجلت على أنها أختها , وبقيت الأمور تسير بشكل طبيعي إلى أن اعترفت البنت لخطيبها بما حدث , فتركها هاربا وكانت النتيجة أن قتل عم البنت أباها . فالنتائج المدمرة لفضح مثل هذه الحالات تجعل الجميع , حتى الأم تسكت إذا ما عرفت باغتصاب ابنتها من قبل أحد المحارم , وتبقى الفتاة عادة هي الضحية الوحيدة لمثل هذا العنف , وأعتقد أن الصبيان يتعرضون أيضا للاغتصاب من قبل المحارم , إلا أن ذلك يتم التستر عليه بحزم, وبخاصة أن هذا موضوع يمكن إخفاؤه , والمتضرر الأساسي هو الطفل الذي غالبا ما يهدد كي يسكت عما حدث له .
ـ الاغتصاب : من الطبيعي أن مجتمعنا كبقية المجتمعات الإنسانية , تتعرض فيه البنات والصبيان للاغتصاب , ولكن لأن ليس لدينا دراسات أو إحصائيات عن ذلك , وحتى لو رغبت أي جهة بإجراء دراسة فستصطدم بالتكتم الشديد الذي يحيط به الأهل مثل هذه الحوادث , ولكن ما يدل على حدوثها , وجود عدد من الأطفال اللقطاء الذين تساوي نسبتهم النسبة الموجودة في أي مجتمع آخر , وقد يوجد أحيانا الطفل اللقيط مقتولا .
ـ جرائم الشرف : لحسن الحظ تضاءلت جرائم الشرف في مجتمعنا إلى حدودها القصوى , رغم تساهل القانون في معاقبة القريب الذي يقتل قريبته دفاعا عن شرف العائلة , حتى لمجرد الاشتباه بتصرفها غير اللائق اجتماعيا , ويمكن أن نعزو ندرة تلك الحوادث إلى التطور والوعي الذي يترافق دوما بنزوع الرجل من العـــنف إلى المـــزيد من المســـالمة , وإلى قدرة النساء على التحرك خارج البيت مما يتيح للفتاة أو لأمها ـ التي تساعدها غالبا ـ تدارك أية فضيحة محتملة .
أما بالنسبة للأطفال ذوي الظروف الخاصة , فيقع عليهم ظلم مضاعف , أولا بسبب طفولتهم وثانيا بسبب ظرفهم , ويمكن أن نقسم هؤلاء الأطفال إلى عدة مجموعات : ـ الأطفال الذين يعانون من صعوبة في التعلم : منذ أن شاع التعليم في بلادنا , وغدا مفتاحا للعمل والمكانة الاجتماعية , اتجه الأهل من الطبقة المتوسطة , والتي تشكل الغالبية في سورية , إلى تعليم أولادهم , وبذل الكثير في سبيل ذلك , ليس فقط لتأمين مستقبل الطفل بل لضمان مستقبلهم هم , والتباهي بابنهم المتعلم أمام الآخرين , وغدا الطفل الذي يجد صعوبة في التعلم كارثة وعارا على أهلـــــه , ولم يقتنع الأهل أبدا بأن بعض الأطفال لديهم مشكلة فيزيولوجية بنيوية تجعل التعلم عندهم صعبا , بل عزوه دائما إلى إهمال الطفل وكسله , لذا يمارس على هؤلاء الأطفال عنفا منزليا يبدأ من الحرمان من كل وسائل التسلية وينتهي بالضرب مرورا بالشتم وتعيير الطفل دائما بفشله , وقد حدثت منذ شهرين تقريبا حادثة , أدى فيها شتم الأب لابنه وتعييره بالفشل والخيبة إلى انتحار الفتى بإلقاء نفسه من الدور الرابع , وقد سمعت من الجيران فيما بعد أن الفتى كان يعاني من اضطرابات نفسية وصعوبة في التعلم . أضف إلى ذلك أن دورة العنف هذه يكملها الأساتذة في المدرسة بتوجيه الإهانات والشتائم والضرب لهؤلاء الطلاب , دون مـــراعاة إمكانياتهم , ودون أن تسعى جهة ما إلى دراسة حالاتهم , وإنشاء مدارس أو مراكز خاصة بهم .
ـ المعوقون : يمارس تجاه المعوقين جسديا وعقليا عنفا غير إنساني . فالمعوقون جسديا لا يتلقون من المجتمع في أحسن الحالات أكثر من نظرات الشفقة , وبخاصة في الأوساط الفقيرة , أما بالنسبة للمؤسسات القليلة المخصصة لهم , كمدرسة الصم مثلا , فيمارس عنف مضاعف عما يمارس في المدارس العادية بوجود مشرفين غير أخصائيين , وحتى عندما يحاول أحد المختصين المخلصين لعملهم , الصادقين في رغبتهم مساعدة الأطفال , فإنه يصطدم بالإمكانات القليلة , وبالجهلة الذين يشاركونه في الإشراف على الصغار , والذين يمنعــون أي تطور في عمليــة التعليم ومساعدة أولئك البؤساء .
أما بالنسبة للمعوقين عقليا , فهؤلاء يمثلون البؤس بكل معانيه , فبعض الأسر الفقيرة والجاهلة , لا تدري ماذا تفعل بهذا البلاء الذي انصب عليها من السماء , ولاشيء يردع هذه الأسر من استخدام أية وسيلة للتعامل مع الطفل المتخلف , خصوصا إذا كان شرسا و وقد يصل الأمر إلى تقييده بالسلاسل , وبخاصة إذا كان بنتا , خشية قيامها بأفعال تفضح الأهل , وإن ندرت مثل هذه الحوادث في السنوات الأخيرة . إضافة إلى عدم وجود مراكز مؤهلة كافية لاستيعاب أعداد الأطفال المتخلفين عقليا , لتعليمهم أو تدريبهم على كسب قوتهم , ويقتصر الأمر على الجهود الفردية للأسر المتنورة للقيام بذلك , فقد أقام والدان مثقفان لابنهما المنغولي قبل أشهر معرضا للرسم بعد أن نميا لديه هذه الموهبة , وهما بجهودهما الفردية بصدد افتتاح مركز لتدريب المعوقين يصطدم بالمعوقات البيروقراطية .
ـ الأيتام : غالبا ما يرعى الطفل اليتيم في بلادنا أحد أقاربه في حالة وفاة الوالدين , وهو عرف شائع لتماسك الروابط العائلية , ولكن هنالك بعض الأيتام الذين لا يجدون من يؤويهم , فيرسلون إلى ملاجئ الأيتام , وقد نشر عدد من التحقيقات في الجرائد السورية قام بها بعض الصحفيين تناولت وضع بعض هذه الملاجئ في سورية , وتبين أن الأطفال فيها يمارس عليهم عنف , صعب التصديق في غالب الأحيان , سواء كان عنف جسدي أو نفسي , وقد هدد الأطفال الذين أرادوا التحدث عن معاناتهم للصحافة من قبل إدارات الملاجئ, إلا أن إحدى الحالات التي وصلت إلى المستشفى بحالة خطرة نتيجة تعرضها لاعتداء بالضرب من قبل إحدى المشرفات , فضحت جميع الممارسات اللاإنسانية وأثارت ضجة كبيرة آنذاك , إلا أنني متأكدة أن شيئا من الوضع لم يتغير بعد ذلك , وقد لوحظ أن جميع هؤلاء الأيتام فاشلين في دراستهم , لعدم توفر الظروف المساعدة , وبالتالي فإنهم يتخرجون من دار الأيتام إلى الشارع دون أي مؤهل يساعدهم على كسب عيشهم أو الانخراط في المجتمع . ولا يساعد هؤلاء الأطفال البائسين سوى بعض الأفراد أصحاب القلوب الخيرة , ولكن تبقى هذه المساعدات فردية ,يضاف إلى ذلك عدم وجود نظام التبني في مجتمعاتنا , بسبب رفضه دينيا .
ـ المشردون : كما ذكرت سابقا , نادرا ما يعيش الأطفال وحيدين إذ أن النظام العائلي المتماسك يؤمن لهم دائما مأوى عند أحد الأقارب , إلا أن ذلك لا ينفي وجود المشردين الذين يتعاطون التسول كمهنة , والذين يستغلون من قبل عصابات تسول يديرها الكبار , وحتى لو كان هناك سقف يؤويهم ليلا , فهم مشردون في الشوارع طوال النهار , ومن الشائع رؤيتهم يتجولون أمام إشارات المرور بين عجلات السيارات يتسولون بشكل مباشر أو غير مباشر ـ مسح زجاج السيارات ـ متعرضين لبرد الشتاء القارس , وحمى الصيف اللاهبة , وخطر الدهس من قبل إحدى السيارات التي تسير عند فتح الإشارة ولازال الأطفال يتجولون بينها , وعدا عن الإهانة التي يتعرض لها الأولاد في الشوارع أو الاستغلال من الكبار فإن الشارع كما هو معروف مرتع خصب للعنف والجريمة والانحراف .
ـ الجانحون : وهم أكثر فئات الأطفال بؤسا , فهم يخضعون لعنف المجرمين الكبار الذين يشغلونهم , وكذلك للعنف حين القبض عليهم , حيث يعاملون في سجون الأحداث تماما كالمجرمين البالغين . إن سجون الأحداث كما أشارت إلى ذلك التحقيقات الصحفية الكثيرة التي أجريت في السنوات الماضية , سواء تلك المختصة بالبنات أو الصبيان , مكان لممارسة العنف الفائق بجميع أشكاله , فكل شيء مباح هناك من قبل المشرفين الذين لا يعدو ن كونهم سجانين , دون أي خبرة بالمساعدة الاجتماعية أو المعالجة النفسية , وببساطة يمكن القول أن الأطفال الجانحين يعاملون هناك كالبهائم لا كالبشر , ولا أعتقد أن هناك جهة يمكن أن تحمي حقوقهم هناك , بل حتى حياتهم . وهكذا تغدو إصلاحيات الأحداث مكانا مهيئا لتخريج مجرمين سيفقدون إنسانيتهم ويروعون مجتمعاتهم بتطوير حقدهم وأساليب الجريمة عندهم بعد قضاء فترة عقوبتـــهم .
لاشك أن هناك بعض الإضاءات التي تتخلل هذه الصورة التي تبدو للوهلة الأولى سوداء :
ـ فالعنف الذي يمارسه الأهل تجاه أطفالهم والذي هو جزء من الإرث الجمعي لمجتمعاتنا يقابله حب كبير من كثير من الأهل نحو أبنائهم , وإحساسهم بالالتزام والمسؤولية تجاههم , وعمق الروابط العائلية ومتانتها .
ـ لقد بدأ العنف تجاه الأطفال وبخاصة ضمن الأسرة , يتراجع مع درجة الوعي والثقافة التي بدأت تنير عقول شريحة لا بأس بها في المجتمع وبخاصة في أوساط الطبقة الوسطى .
ـ تراجع العنف الذي كان منتشرا في الريف والذي كان يعتبر الطفل جزءا من اليد العاملة في الأسرة الفلاحية , بانتشار التعليم في الريف , ورغبة الأسر الريفية في تعليم أطفالها لتحسين مستوى معيشتها , وقد تبع انتشار التعليم طبعا , انتشار الوعي وبالتالي فمن الطبيعي أن تحسنت شروط حياة الطفل والمرأة في الريف .
ـ تراجع العنف الممارس ضد الأطفال في المدارس بوقوف الأهل وبخاصة الواعين منهم ضد أسلوب العنف من أجل التعلم , وبعد أن أخذت الصحافة دورها في فضح بعض الممارسات العنيفة من المعلمين تجاه طلابهم .
ـ تمارس الدولة دورا وإن كان خجولا وفي حده الأدنى للحد من هذه الظاهرة كالتوقيع على المعاهدات التي تحمي حقوق الطفل , ومحاولة تغيير و سن بعض القوانين التي تحمي الطفل , كمنع الضرب في المدارس , وإن كانت لا تطبق اليوم , إلا أنها خطوة نحو الأمام . ويعتبر صدور قانون التعليم الإلزامي الذي يشمل المرحلة الإعدادية من أهم الخطوات التي قامت بها الدولة في الفترة الأخيرة , والتي ستقود إلى منح الأطفال مزيدا من الحقوق في المجتمع .
ـ تحاول بعض التجمعات الأهلية , أو الباحثين , أو المعنيين بالأطفال , أو المدافعين عن حقوق الإنسان في المجتمع , العمل قدر استطاعتهم على التعريف بحقوق الطفل , وتغيير النظرة إلى العملية التربوية , لكن جهودهم تصطدم بالكثير من المعوقات التي تكبلهم , أهمها عدم دعم الدولة لهم , رغم أن أكثر المجتمعات تقدما تعطي أهمية كبيرة لمؤسسات المجتمع المدني التي تعتبر رديفا أساسيا لعمل المنظمات الحكومية .
ـ بدأ الإعلام في السنوات الأخيرة بجهود المؤسسات الرسمية أو الأفراد المؤمنين بقضايا حقوق الإنسان والمخلصين الساعين إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية , سواء في الصحافة أو الإعلام المرئي والمسموع , بالتعريف بحقوق الأطفال ومحاولة تغيير الكثير من العادات البالية و فضح كثير من حوادث العنف الواقع على الأطفال .
أخيرا لابد من تعاضد جهود جميع المخلصين في المؤسسات الحكومية أو الأهلية ، وتضافر جهودها لنشر الوعي بحقوق الطفل وأساليب التربية السليمة القائمة على التفهم والحرية المسئولة سواء في البيت أو المدرسة ، ومحاربة عمالة الأطفال وتسربهم من المدارس ، وإقامة محكمة يلجأ إليها كل فرد مضطهد من الأسرة يتعرض لعنف شرس من قبل أحد أفراد الأسرة ، وتشجيع الجمعيات التي تعنى بحقوق الطفل ، وتشجيع وسائل الإعلام وبخاصة الأعمال الدرامية التي تشاهد بكثرة على ترسيخ مفاهيم جديدة تقوم على احترام الطفل والحفاظ على حقوقه في الحياة والحرية والتعلم وتنمية الهوايات و الرياضة و اللعب , كي ينشؤوا مواطنين أحرارا أسوياء .
شــــعر للأطـفـال 2009/2010



Updated:
مدرسة سيدي بوسكري أدب الطفل
مجلة المنبر الوديع الشعر
نادي الكتاب المكتبة المدرسية

حبيبتيي أمي....
حبيبتي أمي ياشمعة تذوب
أراك في الحلم تهفو لك القلوب
بالعطف والحنان أسعدت لي قلبي
أحس بالأمان إذ تجلسي قربي
رمز الوفى أنتِ والخير والعطاء
من أجلنا صرتِ نبعاً من الوفاء

حبيبتي أمي
يازهرة الأحلام
أهديك ياأمي حبّاً مدى الأيام

التغدية الصحية

الصحة البشرية

# مقدمة :
ان جميع مكونات البيئة في كوكبنا تمارس في نهاية الأمر تأثيرا على صحة البشر ورفاهتهم بيد ان البيئة التي تمارس أكبر تأثير مباشرة على حياة الناس وصحتهم ورفاهتهم هي البيئة المباشرة لبيوتهم وأماكن عملهم والأحياء المجاورة لهم. وتسهم كل من العوامل البيئية والجينية في احداث الأمراض المكتسبة الا ان هناك في معظم الأحيان تفاعلا بين الاثنين.

على الرغم من ان الخلو من الأمراض العضوية يعتبر عادة مطابقا لحالة صحية معقولة كذلك فإن الخلو من الأمراض غير العضوية تكون له عادة اهمية. فالصحة تتطلب عقلا سليما في جسم سليم. ولا يمكن تجاهل الآثار الاجتماعية والاقتصادية لفساد الصحة العقلية في أي مجموعة سكانية. فالصحة العقلية الفاسدة شأنها في ذلك شأن الصحة العضوية التالفة يمكن ان تتسبب عن عوامل جينية أو بيئية أو عن تفاعل بين الاثنين كليهما. وقد ازدادت خلال العقدين الماضيين الشواهد على دور التغيرات البيولوجية الكيميائية في تسبب الأمراض العقلية. وقد تكون بعض هذه الحالات الشاذة البيولوجية الكيميائية موروثة أو مستحدثة بيئيا. وهناك مسببات عضوية معينة لأمراض عقلية ترجع بالتأكيد إلى عوامل بيئية كما هي الحال مع مجموعة حالات الاختلالات النفسية الناجمة عن عوامل معدية مثل داء المثقبيات. كما ان التعرض للمعادن الثقيلة مثل الزئبق أو الرصاص أو المركبات اصطناعية معينة قد يخلق قابلية للإصابة بأورام الدماغ أو بالسلوك الشاذ فعلى سبيل المثال بينت دراسة عن الآثار بعيدة المدى للتعرض لجرعات صغيرة من الرصاص في فترة الطفولة ارتباط هذا التعرض بعجز في وظيفة الجهاز العصبي المركزي يظل ملازما حتى فترة الشباب.

# سوء التغذية :
سوء التغذية هو السبب الأكثر انتشارا في ضعف الصحة ومساهم رئيسي في ارفاع معدل الوفيات لدى الأطفال والصغار في البلدان النامية. فوزن الطفل عند الولادة هو العامل الوحيد الأكثر اهمية الذي يحدد الفرصة المبكرة في البقاء والنمو والتطور الصحيين. ولما كان الوزن عند الولادة تحدد حالة الأم الصحية وحالتها المتعلقة بالتغذية فإن نسبة الأطفال المولودين بأوزان خفيفة (اقل من 2500 غرام) تعكس بدقة الحالة الصحية والاجتماعية للأمهات وللمجتمعات التي يولد فيها الأطفال. ففي المجتمعات التي يكون فيها سوء التغذية مشكلة مزمنة أو اثناد فترات الأغذية أو الضغوط الطبيعية مثل حالات الجفاف المتكررة قلما تجد النساء الحوامل ما يكفيهن من طعام وبذلك يتأثر نحو الجنين. وتعاني قرابة 51 في المائة من النساء الحوامل في العالم من فقر الدم المتعلق بالتغذية (انخفاض مستويات الهيموغلوبين نتيجة لضعف التغذية) وتبلغ نسبتهن في البلدان النامية 59 وهي اعلى كثيرا من النسبة الموجودة في البلدان الصناعية وهي 14 في الماذة. كما ان نحو 22 مليون (أو نحو 16 في المائة) من مجموع الأطفال الذين يولدون كل سنة في العالم والبالغ 140 مليون طفل يكونون خفيفي الوزن عند الولادة. ويولد 20 مليون على الأقل من هؤلاء الرضع في بلدان نامية وأغلبيتهم أكثر من 13 مليونا في جنوب آسيا والبقية في افريقيا وأمريكا اللاتينية وشرق آسيا. وترمي الاستراتيجية العالمية للصحة للجميع التي بدأتها الجمعية العامة للصحة العالمية الى تحقيق هدف مضمونة ان يكون الوزن عند الولادة 2500 غرام على الأقل لـ 90 في المائة من الرضع حديثي الولادة وتحقيق نمو كاف للأطفال وفقا لمقياس أهداف الوزن المناسب بحلول عام 2000 .

يعد سوء التغذية من الزاوية العددية اخطر الأوضاع المؤثرة على صحة الأطفال لا سيما في البلدان النامية. وتبين دراسات استقصائية اجريت في اقاليم مختلفة من العالم انه في أية لحظة يكون هناك ما تقديره 10 ملايين طفل يعانون سوء التغذية الحاد و200 مليون آخرين لا يجدون تغذية كافية. اذ ان سوء التغذية يجعل الطفل أو البالغ اكثر تعرضا للإصابة بالأمراض كما قد تتفاقم الإصابة نتيجة لسوء التغذية. وتعتبر الرضاعة خير حماية للطفل سواء من سوء التغذية أو الاصابة بالأمراض. وقد شهد العقدان الأخيران وعيا متزايدا بأهمية الرضاعة.

غير ان جميع المركبات الكيميائية التي تتناولها الأم ستظهر كلها تقريبا في لبنها في شكل أو آخر. فقد وجد DDT ومشتقاته وغيرها من مبيدات الآفات والكادميوم والرصاص والزئبق في اللبن البشري في عدة بلدان. وقد كشفت دراسات عديدة ان تركيز الـ DDT والـ DDE في اللبن البشري في بعض البلدان اعلى من المعايير المقبول تناولها يوميا ومن حدود المخلفات القصوى التي اقرتها منظمة الصحة العالمية/ منظمة الأغذية والزراعة. بيد انه لم يوجد أي دليل يشير الى ان مستويات الـ DDT والـ DDE الموجودة في اللبن البشري عموما قد الحقت اضرار بالرضع. والواقع ان لبن الأم يكون عادة اقل تلوثا بكثير من بدائله. كما ان المعدلات العالمية للوفيات والاصابة بالأمراض المنتشرة بين الأطفال الذين تمت تغذيتهم اصطناعيا في بلدان نامية كثيرة يمكن ان تعزى الى التحضير غير السليم لمركبات اغذية الأطفال وغيرها من الأغذية وتلوثها. وقد ساعد قبول المدونة الدولية لتسويق بدائل لبن الأم التي وضعتها منظمة الصحة العالمية على دفع الحكومات الى وضع برامج للترويج الأكثر نشاطا للرضاعة. ومع ذلك فعلى الرغم من تزايد شعبية الرضاعة في البلدان الصناعية فإنه لم تحدث زيادة مماثلة في البلدان النامية .

# الأمراض المعدية :
اختلاف الأحوال البيئية لا يحدد فقط الاختلافات الإقليمية في حدوث الأمراض بل يحدد الاختلافات الفصلية كذلك. ففي البلدان النامية تنتشر الأمراض المعدية والطفيلية ومضاعفات الولادة والحمل. وتنتقل بعض الأمراض المعدية بسهولة اكبر اثناء فصل الأمطار. كما ان درجة الحرارة والرطوبة والتربة وأحوال هطول الأمطار والغلاف الجوي هي جميعها عوامل مهمة في أيكولوجية أمراض معدية معينة، لا سيما لكونها تتحكم في توزيع ناقلات الأمراض ووفرتها.

وتتسبب الأمراض المعدية في نسبة كبيرة من الأمراض والوفيات في البلدان النامية حيث يعيش مليارات البشر الذين ما زالا يفتقرون الى احتياجات الحياة الأساسية والمأوى الملائم وسبل الحصول على إمدادات المياه المأمونة والمرافق الصحية ومرافق التخلص من النفايات. ذلك ان تدهور الأوضاع البيئية التي يعيشون في ظلها يضاعف انتشار العوامل المعدية وتوليد مواطن الأمراض وناقلاتها. فالاكتظاظ السكاني يعجل بانتشار السل وأمراض الجهاز التنفسي. كما ان انعدام المرافق الصحية وإمدادات المياه المأمونة يوفر ارضا خصبة لتفشي الأمراض المعدية التي تنقلها المياه والأغذية وكلما زاد عدد الناس المعرضين لمصدر تلوث ما تفاقم خطر الإصابة بالمرض وانتشاره بعد ذلك. ففي منتصف الثمانينات قدر ان 17 مليون شخص منهم 5.10 مليون طفل دون سن الخامسة في البلدان النامية كانوا يموتون كل سنة بالأمراض المعدية والطفيلية، مقابل نحو نصف مليون في البلدان المتقدمة.

على الرغم من ان الاصابات بالكوليرا قد انخفضت في آسيا فقد لقيت طريقها الى القارة الأمريكية وأدت الى زيادة مثيرة في عدد الحالات التي ابلغت الى منظمة الصحة العالمية نحو 25000 حالة في عام 1991. وفي افريقيا كان اجمالي عدد حالات الكوليرا مستقرا تقريبا خلال العقدين الأخيرين. الا انه كانت تحدث بين الفينة والفينة في بلدان مختلفة اصابات محلية بالكوليرا وكانت هذه الاصابات اساسا بسبب تلوث مياه الشرب والأغذية.

لا تزال الملاريا تشكل إحدى اخطر مشاكل الصحة العامة والبيئة في جزء كبير من العالم النامي. وهذا المرض مستوطن في 102 بلدا. ويكون اكثر من نصف سكان العالم مهددين بخطر الاصابة به. ومنذ عام 1980 كان هناك انخفاض عام في عدد حالات الملاريا في افريقيا وجنوب شرق آسيا وغربي المحيط الهادىء الا انه كانت هناك زيادة تدريجية في القارة الأمريكية. ففي عام 1988 كانت هناك 8 ملايين حالة ملاريا في العالم تم ابلاغها الى منظمة الصحة العالمية بيد انه يعتقد ان العدد الاجمالي للحالات هو في حدود 100 مليون . ومن العدد الكلي للحالات التي تم إبلاغها في عام 1988 كانت 39 في المائة منه في افريقيا و32 في المائة في جنوب شرق آسيا. ويعتقد ان 43 في المائة من سكان العالم في منطقة موبوءة بالملاريا. ويقطن نحو 445 مليون نسمة في مناطق موبوءة بالملاريا لا تتخذ فيها اية تدابير محددة لمكافحة انتقالها وحيث لا يزال تفشي الملاريا على حاله من الناحية الفعلية .

لا تزال البلهارسيا احد المخاطر الصحية الكبرى في نحو 76 بلدا ناميا. والبلدان والمناطق التي توجد فيها اعداد كبيرة من الحالات هي البرازيل وافريقيا الوسطى وكمبوديا الديمقراطية ومصر والفلبين. وعموما يقدر ان نحو 200 مليون شخص مصابون بالمرض و600 مليون آخرين معرضون لخطر الاصابة به. وقد ساهم انشاء البحيرات التي من صنع الإنسان وبرك تربية الأسماك ومخططات الري في زيادة الإصابة بالمرض. فعلى سبيل المثال تبين عقب إنشاء سد دياما على نهر السنغال في عام 1986 ان البلهارسيا المعوية قد ازدادت زيادة كبيرة منذ أوائل عام 1986 وبحلول عام 1989 كانت نسبة 71.5 في المائة من العينات التي تم اختيارها عشوائية.

شهد العقد الأخير أولى الحالات التي تم الابلاغ عنها للإصابة بفيروس المناعة البشري ومتلازمة فقدان المناعة المكتسب (الأيدز). ويفتك مرض متلازمة فقدان المناعة المكتسب بالناس من جميع الأعمار ولكنه يشكل خطرا متزايدا بالنسبة للأطفال حديثي الولادة والرضع. وتوجد 1.5 مليون امرأة على الأقل على نطاق العالم - منهن نحو مليون في افريقيا - مصابات بفيروس المناعة البشري. والأطفال الذين يولدون لهؤلاء النساء يتراوح احتمال اصابتهم قبل ولادتهم او اثناءها بين 25 و45 في المائة. ومن المؤكد تقريبا ان يموت هؤلاء الأطفال قبل ان يصلوا الى سن الخامسة. ويقدر ان ما بين 5 و10 ملايين شخص في العالم مصابون بفيروس متلازمة فقد المناعة المكتسب وان نحو 400000 مرضى بمتلازمة فقد المناعة المكتسب. وتفيد التقديرات انه بحلول عام 1991 ستكون قد حدثت اكثر من مليون حالة اصابة بالمرض على حين انه عام 1991 قد يتجاوز العدد التراكمي خمسة ملايين.

# التلوث الكيميائي والصحة :
يتعرض البشر لشتى المواد الكيميائية في أوضاعهم المهنية والمجتمعية. ويتوفر الآن قدر واسع من المعلومات العلمية عن الآثار قصيرة الأجل للتعرض لمستويات عالية من المواد الكيميائية الخطرة. غير انه لا يعرف سوى القليل مما يحدث للأفراد الذين يتعرضون لتركيزات منخفضة للغاية من هذه المواد الكيميائية بعد 20 أو 30 عاما. بيد انه يمكن قياس الاثار المترتبة في أوساط اعداد من السكان من زاوية الأمراض والوفيات أو من زاوية التغيرات الفسيولوجية. كما ان الطفرات الجينية (انتاج خاصيات وراثية جديدة معظمها مضرة) يمكن ان تكون لها ايضا اسباب كيميائية وان تكون دائمة. ويعد السرطان والعيوب الخلقية من ضمن الأخطار على الصحة التي قد تنتج من التعرض الطويل الأمد للمواد السامة. وتحدث العيوب الخلقية بنسبة 2-3 في المائة من جميع حالات الولادة. ومن هذه النسبة تعود 25 في المائة على اسباب جينية على حين تنشأ 5 - 10 في المائية من تأثير اربعة انواع من الاسباب المعروفة: الاشعاع والفيروسات والعقاقير والمواد الكيميائية. وتنشأ النسبة المتبقية وتتراوح بين 65 و70 في المائة عن أسباب غير معروفة. ولكنها قد تأتي من تفاعل عدة عوامل جينية.

يتوقف تأثير التعرض لملوث كيميائي على طول فترة التعرض وشدته ونوع المادة الكيميائية التي يتعرض لها الفرد. وينبغي التمييز بين نوعين رئيسيين من التعرض:

الأول : هو التعرض لمستويات عالية بشكل غير عادي للملوثات مثل حالات الإطلاق العرضي للمواد الكيميائية وحالات التعرض المهني أو في حالة الحوادث البيئية الشاذة مثل حوادث تلوث المياه.

الثاني : هو التعرض للملوثات في البيئة المحيطة بصفة عامة.

ففي حالات التعرض الأولى تكون الاثار واضحة وتتمثل في الوفاة المباشرة والموت قبل الأوان أو زيادة الاصابات بالأمراض. فعلى سبيل المثال تسبب الاطلاق العرضي لميثيل الأيسوسيانات في حادث بوبال في وفيات مبشارة وفي ارتفاع معدل الاصابة بالمرض. وادى تعرض العمال لتركيزات المواد الكيميائية العالية الى أمراض مهنية مختلفة. ومن الأمثلة على آثار مثل هذه الحالات التعرض للتسمم بالرصاص وتغير الرئة (أمراض رئوية يسببها استنشاق الغبار) والتسمم بمبيدات الآفات ومختلف انواع السرطان. وقد قدرت منظمة الصحة العالمية عدد حالات التسمم الحاد غير المقصود نتيجة التعرض لمبيدات الآفات بنصف مليون في عام 1972 وزاد هذا العدد الى مليون في عام 1985 نتيجة لزيادة استخدام مبيدات الآفات. وترجع نسبة 60 - 70 في المائة من هذه الحالات الى التعرض المهني. وتحدث قرابة 20000 حالة وفاة كل عام نتيجة التسمم بمبيدات الآفات. وعلى الرغم من ان امراضا مهنية تقليدية كثيرة تناقصت في البلدان المتقدمة نتيجة تطبيق تدابير وقائية صارمة فإنها تتزايد في عدة بلدان نامية بسبب عدم وجود تدابير تنظيمية لحماية العمال أو عدم تطبيقها (وكذلك انعدام الوعي لدى العمال وعدم تعاونهم). كما ان هناك قلقا متزايد من زيادة الأمراض المهنية في الصناعات (بما في ذلك ورش الصيانة) لا سيما بين الأطفال الذين يشكلون نسبة كبيرة من القوى العاملة. وآثار حوادث الهواء مثل ضباب لندن في عام 1952 موثقة بشكل جيد؛ وكان الأطفال والمسنون لا سيما الذين يعانون من مشاكل في الجهاز التنفسي أو جهاز الدورة الدموية هم الأكثر تأثرا.

ان تقييم الآثار الصحية للتعرض للملوثات الكيميائية في البيئة العامة مهمة صعبة لأن الفرديكون عموما معرضا لعدة ملوثات في وقت واحد. ويشتمل مجموع ما يتعرض له الشخص على استنشاق أو تناول المواد الملوثة من الهواء أو المياه أو الأغذية أو التربة أو امتصاصها بواسطة الجلد. وفي كثير من الحالات فإن أثر أي مادة ملوثة اما يزيد او يقل من خلال التفاعل مع الملوثات الأخرى. فعلى سبيل الثال من المعروف ان الآثار الصحية لثاني أكسيد الكبريت تزداد بوجود أي جسيمات دقيقة. ويزيد تدخين التبغ من حدوث السرطان نتيجة التعرض لغاز الرادون داخل المباني. وقد جرت محاولات عديدة في العقدين الأخيرين لتقدير الآثار الصحية لمجموع ما يتعرض له البشر باستخدام نماذج لحساب التوزيع البيئي للمواد الكيميائية الملوثة وانتقالها ومصيرها والتعرض البشري عبر مختلف الطرق وسمية المواد الكيميائية والعقاقير في البشر. وفي عام 1984 وضعت منظمة الصحة العالمية/ برنامج الأمم المتحدة للبيئة برنامج »مواقع تقييم التعرض البشري« كجزء من »النظام العالمي للرصد البيئي« لمراقبة مجمل التعرض البشري للملوثات. وينتظر ان تساعد النتائج المستخلصة على تمكين البلدان من تقييم الأخطار المجتمعة من ملوثات الهواء والأغذية والمياه واتخاذ إجراءات مناسبة للمحافظة على صحة البشر.

تم التحقق من اسباب وآثار عدة ملوثات مثال ذلك ان الآثار الصحية لأول اكسيد الكربون والأوزون التريوسفيري واكاسيد الكبريت المؤتلفة من المواد الدقيقة والرصاص في الهواء في البيئة المحيطة تعتبر جيدة التوثيق. وقد اثبتت البحوث في العلوم الوبائية في العقدين الأخيرين ان تلوث الهواء داخل المباني قد يؤدي الى زيادة الاصابة بالسرطان نتيجة التعرض لغاز الرادون ودخان التبغ وفي المناطق الريفية في البلدان النامية قد يؤدي الى زيادة أمراض الجهاز التنفسي والسرطان نتيجة للتعرض للانبعاثات من وقود الكتلة الحيوية. وقد اصبحت زيادة النترات في المياه الجوفية مصدر قلق في بلدان كثيرة. فالنترات تشكل خطرا صحيا لا سيما للأطفال وقد كانت منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة العمل الدولية تعمل منذ أوائل السبعينات لوضع معايير صحية لمختلف الملوثات.

هناك اتفاق عام الآن على ان نحو 85 في المائة تقريبا من جميع حالات السرطان تنتج من عوامل بيئية عريضة مثل الشعاع المؤين والمواد الكيميائية المسببة للسرطان في الهواء والأغذية والدخان والكحول والعقاقير (العوامل الكيميائية الدولية). ويفترض ان يكون للبقية اساس وراثي أو أن تكون ناشئة من حوادث تفاعلات حيوية عفوية. وعلى الرغم من ان النسبة المئوية للوفيات بسبب السرطان اعلى في البلدان المتقدمة منها في البلدان النامية فإن الاصابة بالسرطان في بلدان كلتا المجموعتين متماثلة بوجه عام. بيد انه توجد اختلافات في الاصابة بمختلف انواع السرطان. واهم سبب لسرطان الرئة هو التدخين للتبغ بما في ذلك التدخين السلبي. وعلى الرغم من هذه الحقيقة فإن استعمال التبغ في العالم قد زاد بقرابة 75 في المائة على امتداد العقدين الماضيين كما ازداد التدخين زيادة ملحوظة في أوساط الشباب.

# الاستجابات :
تتعلق الاستجابات المختلفة التي تم ايجازها في الفصول السابقة سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة بتحسين الصحة البشرية وبالحد من المخاطر الصحية المرتبطة لمختلف انواع الملوثات. وتتمثل حقيقة ان الوقاية خير من العلاج في الانجازات التي تحققت، ورغم ان الأهداف الأصلية للعقد الدولي للإمداد بالمياه والمرافق الصحية لم تتحقق حتى عام 1990 فإن العقد قد زود مئات الملايين من الناس بمياه الشرب المأمونة والمرافق الصحية . وقد ساعد ذلك بدرجة كبيرة على تحسين الأوضاع الصحية في المناطق التي زودت بتلك المرافق. كما ان الاجراءات المتخذة من الانبعاثات الهوائية ولحماية طبقة الأوزون تعتبر مثالا آخرا للتدابير الوقائية. غير ان ما زال هناك طريق طويل ينبغي ان يقطع لتقليل المخاطر الصحية الناجمة عن تلوث البيئة وتدهورها. والحاجة ماسة لإجراء كثير من البحوث لتفسير اسباب التعرض البشري الكلي آثاره لوضع مبادىء توجيهية عملية لحماية الصحة البشرية. كما ان هناك الكثير الذي ينبغي عمله لتقليل الاصابة بالأمراض الوبائية في البلدان النامية.

تم في العقدين الماضيين التحكم في بعض الأمراض المعدية. فقد تم القضاء تماما على الجدري. كما ان الاصابة بالعمى النهري قد خفضت انخفاضا حادا في غرب افريقيا. وقد ساعدت الزيادة في استخدام المعالجة بالاماهة عن طريق الفم من تقليل وفيات الأطفال دون سن الخامسة نتيجة لأمراض الإسهال. وفي عام 1985 تمت معالجة نحو 18 في المائة من الأطفال بالإماهة عن طريق الفم؛ وفي عام 1988 وصلت نسبة هؤلاء الأطفال الى 25 في المائة (منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة، 1991). وساعد هذا على انقاذ حياة نحو مليون طفل كل سنة (Hirshhorn and Greenough 1991). وعن طريق التحصين انخفضت أمراض الأطفال الستة التي يمكن الوقاية منها باللقاحات (وهي التهاب النخاع السنجابي والتيتالوس والحصبة والدفتيريا والشاهوق والسل). وفي السبعينات كانت هذه الأمراض تفتك بحوالي 50 مليون طفل سنويا وفي الثمانينات انخفض هذا الكم الى 3 ملايين في السنة وهو يواصل الانخفاض عن طريق البرنامج الموسع للتحصين.
- تقديم الاستاذ محمد ايطاح

ا



نادي الموطنة
و حقوق الطفل






الصويرة